قد يبدو قديما ومكررا إلا أنه مع نهاية عام 2006 وبداية عام 2007 وخروج العديد من الوزراء والمسئولين بتصريحاتهم الوردية على شاشات التلفاز وصفحات الجرائد المختلفة التى تؤكد من خلال التقارير والاحصاءات والأرقام والانجازات الغير مسبوقة التى حققتها خططهم وبرامجهم التى كانت السبب فى تحقيق عائدات وأرباح رهيبة وزيادة فى الدخل بنسب ومستويات مبهرة ومشرفة تدعونا جميعا لرفع القبعة لهؤلاء المخلصين الشرفاء من أبناء الوطن الذين يعملون فقط ابتغاء وجه الله وخدمة أبناء هذا الوطن من الفقراء والبسطاء ولكن فخرنا وامتناننا لهم سيكتمل بالطبع عندما يخبرونا وبنفس الثقة والتفاخر المعهود فى تصريحاتهم أين تذهب هذه المليارات التى لا ينالنا منها إلا مجرد السمع والدهشة والتى يتبعها نفس هذا التساؤل والذى نطرحه هنا لعلنا نجد الإجابة. فى البداية نود أن نشير إلى بعض التقارير والتصريحات أولا: عندما يصرح الفريق أحمد فاضل رئيس هيئة قناة السويس بأن إيرادات القناة خلال عام 2006 بلغت 82،3 مليار دولار أى ما يعادل 51،21 مليار جنيه بزيادة 6.10% عن ايرادات العام الماضى. ويدلل على ذلك من خلال عدد السفن المارة فى القناة والتى بلغت 48 سفينة فى اليوم الأول لبدء تطبيق الرسوم الجديد فى عام 2006 بلغت ايرادات القناة 8 ملايين دولار. بالإضافة إلى أن متوسط الدخل الذى تدره القناة يوميا زاد من 339 ألف دولار عند تأميمها عام 1956 إلى 9 ملايين دولار حاليا. ثانيا: فى آخر تقرير للبنك المركزى المصرى والذى جاء فيه: 1- ارتفاع صافى احتياطى النقد الأجنبى إلى 1.24 مليار دولار. 2- ارتفاع إجمالى الودائع لدى الجهاز المصرفى بخلاف البنك المركزى إلى 9،581 مليار جنيه بزيادة 7،4 مليار عن السنة الماضية. 3- ارتفاع حجم التبادل التجارى خلال 2005/2006 والذى بلغ 9.48 مليار دولار بزيادة 6،28 مقارنة بالسنة الماضية. 4- زيادة كبيرة فى ميزانية المنح والقروض من دول مختلفة ففى 2006 أكبر ميزانية للمساعدات اليابانية لمصر والتى بلغت 500 مليون دولار بين منح وقروض ميسرة. ثالثا تصريحات وزير التخطيط والتنمية المحلية عن انجازات عام 2006 والذى أكد خلاله زيادة الدخل القومى فى النصف الأول للعام 2006 بنسبة 9.11% عن العام الماضى حيث بلغ 8.53 مليار دولار أى ما يعادل 309 مليار جنيه مقابل 2.276 مليار جنيه خلال النصف الأول لعامى 2004 و2005 وكانت أكبر العائدات فى مجالات الغاز الطبيعى والذى سجل زيادة بلغت 1.56% وزيادة حجم الاستثمارات خلال 2006 والتى بلغت 1.49 مليار جنيه مقابل 1.42 أى بزيادة 1.16 عن النصف الأول لعامى 2004/2005. أما رابع التصريحات فكان للمهندس سامح فهمى وزير البترول والذى أكد ان العام 2006 كان عام الخير والازدهار لمجال البترول فى مصر ففى هذا العام تخطط صادرات مصر من المواد البترولية المختلفة الـ 5 مليارات و221 مليون دولار. أما بالنسبة للغاز الطبيعى فبصرف النظر عن قناة السويس والسياحة فإن مصر فى اتجاهها لجعل الغاز الطبيعى أكبر عائدات مصر من النقد الأجنبى حيث أكد ان اجمالى تصدير مصر للغاز المسال بلغ 8.4 مليون طن بالإضافة إلى المرحلة الأولى والتى بدأت منذ 2003 والتى تم خلالها تصدير الغاز إلى لبنان وسوريا وتركيا واسبانيا والعديد من دول أوروبا كما توقع ان تبلغ صادرات مصر من الغاز الطبيعى 12 مليار دولار بحلول 2010 بعد اقتحام الأسواق الأوروبية والأمريكية وذلك ما أكده هيرج جونز أحد مسئولى بريتش غاز فى القاهرة ان مصر ستكون أحد أكبر مصدرى الغاز المسال فى العالم. أما التقرير الصادر عن الهيئة العامة للاستعلامات فقد أكد ان احتياطى مصر من الغاز الطبيعى 67 تريليون قدم مكعب بالإضافة إلى احتياطى محتمل فى المياه العميقة بالبحر المتوسط يبلغ 90 تريليون. وأضاف التقرير ان مصر تحتل المرتبة الأولى بين دول «الأوابك» خلال الـ 15 سنة الأخيرة فى عدد الاكتشافات البترولية والتى بلغت 361 اكتشافا حتى 2004 كان أهمها بالبحر المتوسط والدلتا والصحراء الغربية ومنطقة خليج السويس أما المصدر الثالث من أهم المصادر التى تدر النقد الأجنبى وهى السياحة ففى تصريح زهير جرانه وزير السياحة والذى أكد فيه ان عدد السائحين الذين زاروا مصر فى 2006 بلغ 10 مليون سائح بعائد تخطى الـ 6.7 مليار دولار وهو ما يمثل 20% من مصادر الدخل الأجنبى بالرغم من الإرهاب ونقص العمالة المؤهلة على حد تعبيره. كل هذا بالإضافة إلى عائدات القطاعات الأخرى مثل التشييد والذى بلغ 4 مليارات دولار والذى تسعى الحكومة لزيادته إلى 5.7 مليار فى 2008 بالإضافة إلى عائدات قطاع الاتصالات وغيره من إيرادات داخلية لضرائب وجمارك وايرادات خدمات مثل الكهرباء والمياه والطرق وغيرها على سبيل المثال لا الحصر. وبعد عرض كل هذه التقارير والاحصاءات الصادرة عن مسئولى ووزراء ومؤسسات حكومية وعلى افتراض صدقها وان هذه هى الايرادات الحقيقية. أليس من الغريب أن يكون فى مصر فقير أو عاطل أو محتاج مع كل هذه المليارات التى نسمع عنها ونقرأها فقط خاصة ان مستويات الفقر والجهل والمرض والركو دوالغلاء والتضخم قد بلغت معدلات حرجة لا تخفى على أحد ولا يمكن انكارها فعدد المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر تخطى الـ 35 مليون أى ما يقرب من نصف عدد المصريين بالإضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة والتى بلغت 6 مليون فى أخر الدراسات أما بالنسبة للمرض فأكثر من 100 ألف مصرى يصابون سنويا بالسرطان و35 ألف بالفشل الكلوى أما الفساد والسرقة والاهمال والجهل فحدث ولا حرج. الدكتور صلاح الدين فهمى رئيس قسم الاقتصاد بجامعة الأزهر قال اعتقد ان الحديث عن أى انجازات وزيادة فى العوائد أو الدخل القومى فى ظل هذه المعدلات المؤسفة والمخجلة من الفقر والمرض والغلاء والركود والبطالة.. إلخ مجرد أوهام وان البند الرئيسى الذى تحاول فيه الحكومة تبرير انفاق هذا الدخل هو الدعم الذى يعتبر الحديث عنه هو الآخر غير منطقى فى ظل زيادة السكان وقصور الموارد الاقتصادية وارتفاع مستويات الأمية والبطالة وقصور الانتاج وبطء معدلات الانتاج وزيادة الاستيراد وعدم الاهتمام بالتصدير وتدنى الأجور وعدم العدالة فى توزيع الدخل ووجود شبح الفساد الذى استفحل فى الفترة الأخيرة. أما الدكتور السيد عبد الجواد أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس فقال أعتقد ان الدخل الذى يعلنه الوزراء والمسئولون وعلى افتراض ان هذا هو الدخل الفعلى وان الشعب يقف فى ذمتهم وأمانتهم ثقة عمياء فإن ما يصرحون به كافى لتحقيق حياة رغدة ومستوى معيشة ورفاهية من شأنها القضاء على كل ما يؤرق المواطن المصرى من فقر ومرض وغيره من المشكلات ولكن المشكلة تكمن فى الفجوة العميقة بين ما تصرح به الحكومة وبين المستوى المؤسف والمتدنى الذى يعانيه غالبية الشعب والدليل على ذلك الاحصاءات التى تؤكد الارتفاع الرهيب فى معدلات الفقر والجريمة والبطالة وغيرها والتى ترتبط بشكل أساسى بانخفاض معدل الدخل وتدنى مستوى المعيشة إلى درجة يستحيل معها الحياة فى بعض الحالات. أما الدكتور عادل طه أستاذ علم النفس بكلية الآداب بجامعة طنطا وفيما يتعلق بتناقض تصريحات الحكومة ومستوى المعيشة فقال «بصرف النظر عن معدل ومستوى الدخل فإن القضية الأساسية تتلخص فى أزمة الثقة الواضحة فى أى مسئول أو ممثل للحكومة، فالدخل الحقيقى شئ وما يتم التصريح به شئ آخر وما يعانيه معظم أفراد الشعب من الفقراء والمساكين شئ آخر الأمر الذى أدى إلى تزايد الفجوة وعدم الإحساس بأى تحسن فى مستوى الأداء الحكومى لتتحول كل مبررات الحكومة من زيادة عدد السكان وزيادة الدعم وغيرها من وسائل الانفاق إلى مجرد أسباب وهمية غير مبررة.